Monday, November 8, 2010

الي بقلبي على لساني

غالبا ما تُستخدم هذه العبارة عندما يشرع شخص ما بذكر سلبياته ، وحصر زلاته ، فيقدمها على أنها أحد السلبيات أو العيوب ، في حين أنني أعلم تمام العلم ، و أعرف حق المعرفة أنه في قرارة نفسه يراها إيجابية ، بل و يجدها علامة على القوة و الجرأة ، و لو كان يعتقد حقا خلاف ذلك لما اعترف بها بهذه البساطة ، و لتبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف ، لأنه لا يوجد إنسان طبيعي على وجه البسيطة يقول عن نفسه أنه غبي أو جبان أو ضعيف هكذا بمناسبة و غير مناسبة ، لأنها أوصاف مقززة و نعوت منفرة ، حتى و لو كانت بالفعل سمة بارزة في شخصيته ، فالإنسان بطبيعته يحب التحلي باسم الفضيلة و إن خالف ذلك بلسان حاله أو مقاله

ولكن الحال مع أصحاب "يلي بقلبي على لساني" مختلف بعض الشيئ ، إذ أن عامة الناس لا يدركون مدى بشاعة هذه الخَصْلَة ، و يتوهمون أنها تُظهرهم بمظهر القوي الجريئ ، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما ، فما هي إلا دلالة دامغة على البساطة و السذاجة ، و الاعتراف بها بفم ممتلئ ما هو إلا مؤشر واضح على أقصى و أحط دركات الغباء الاجتماعي

و المصيبة الأكبر أن حملة هذا الشعار إنما يَتَحَرونَ في ذلك المصداقية و الأمانة في التعبير عن الرأي ، مع جهلهم أن الرأي لا يكون رأيا إلا إذا طُلب ، تماما كما جاء في الحديث الصحيح: أن المستشار مؤتمن ، و أضف إلى ذلك أن الرأي في ذاته ينقسم إلى مهم و غير مهم ، فمن الآراء ما يحتمل المجاملة ، و منها ما لا يحتمل ، فمن كان لديه مسكة من عقل عرف أين يفصل برأيه و أين يحتفظ به لنفسه ، و لو تأملت حال هؤلاء الذين يتبجحون بسرعة إنفاذ الرأي لرأيت أن جُل آرائهم لا تنصب إلا حول سفاسف الأمور و توافه الأحداث ، فيما لا يجلب منفعة و لا يدفع مضرة

و مما يُستأنس ذكره في هذا المقام أن رجلا قال لمعاوية: ما رأيت أنذل منك ، فرد معاوية: النذل من واجه الرجال بهذا... في الحقيقة رأي لا يصدر إلا من حقير ، و جواب لا يأتي إلا من أمير ، و تأمل أخي الكريم جواب معاوية رضي الله عنه حيث أنه لم يدفع هذا الاتهام أو ينفيه ، و إنما لقن ذلك الرجل درسا في مفهوم النذالة ، فعرفه أن النذالة الحقيقية إنما تكون بمواجهة الرجال بهذه الصورة التي تفتقر إلى أدنى أدبيات و أبجديات الخطاب الإنساني و الاجتماعي ، و لاحظ أيضا أنه قال: الرجال و لو يقل الأمراء ، لأنه من جهل أقدار الناس و مقاماتها فهو بحقيقة نفسه أجهل

و مما يروى أيضا أن أحد الوعاظ أتى الوليد بن عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين سأعظك عظة فيها غلظة فاحتملها ، فقال الوليد: كلا .. إن الله أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شر مني ، قال لموسى إذ أمره بالذهاب إلى فرعون: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى

و لو تأملت معي أخي القارئ أحوال هؤلاء السُذج لو جدت كَمَّ الخير الكثير و الحظ الوفير الذي فوتوه على أنفسهم بسب أنهم وضعوا ألسنتهم في كل مكان و زمان ، فما غنموا في الدنيا و لا سلموا في الآخرة ، فمسألة أن تجعل لسانك مِغرافا لقلبك فما ذلك إلا البله بعينه ، والحمق بذاته، و في ذلك يقول أبو العتاهية

و إذا حللت عن اللسان عقاله .... ألقاك في قيل عليك و قال

و هل سمي العقل عقلا إلا لأنه يعقل على اللسان ؟ فما فائدة العقل إذا كان لللسان مطلق الحرية في تصوير عُجَرَ القلب و بُجَرَهُ ؟

و لا يسعني إلا أن أختم بقول زهير

و من لم يصانع في أمور كثيرة .... يُضرس بأنياب و يوطؤ بمنسم



10 comments:

  1. موضوع جميل :)
    الواحد لازم ياخذ ثانيتين يفكر بينه وبين نفسه بالكلمة قبل ما يقولها
    وايد يتسرعون بالكلام وبعدين يتحسفون عليه
    والكلمة إذا طلعت خلاص ما ترجع

    ReplyDelete
  2. وكما قال الإمام علي عليه السلام :"لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه "

    شكرا لك =)

    ReplyDelete
  3. تدري شاللي يحر
    ليه قل الكلمة و تالي قالوا لاااااا هذا قلبة طيب

    شسوي بقلبة الطيب إذا كلامة قنابل

    السؤال؟
    لي صار هذا من حريم كبار شتسوي!

    ReplyDelete
  4. Ra-1

    مع الأسف الذين قصدتهم في موضوعي هم الذين لا يندمون ، و إنما يعتقدون أنه الصواب ، فمصيبتهم
    أعظم من أولائك الذين يتسرعون و يزلون

    شكرا لزيارتك :)

    ReplyDelete
  5. LavenDer

    أشكر لك هذا الإثراء الجميل

    ReplyDelete
  6. Яeema

    الرد ممكن أن يكون مهذبا و قاسيا في نفس الوقت ، و أحيانا الصمت أبلغ من الكلام

    في النهاية يعتمد على الزمان و المكان و الشخص و المزاج العام

    ReplyDelete
  7. أبليت بلاء حسنا:)

    و غالبا ما يسمون هذا الشخص **أنه على نيته
    و هذا ما يؤخذعلى من يمتدحون الشخص..

    كم من المرات أحرج بسسب مقابلتي أصناف **ع النية

    أحتاج أحيانا للتأقلم مع هذه الطبيعة , حتى لا أحرج في كـل مرة..

    أحاول أن أظهر أن ما قيل قد يجرح الآخرين و لـكن لا حيات لمن تنادي

    أعتقد أن معالجة تلم الشخصية يكون أيضا بمصارحتها..

    موضوع جميل ..دمتم بخير و بحفظ الله..

    و كـل عام و أنتم بخير..

    ReplyDelete
  8. أتفق معك المصارحة و الخطاب المباشر في مثل هذه الحالات قد يكون الأسلوب الأتفع و الأنجع

    سررت بزيارتك

    ReplyDelete
  9. أوافقك الرأي أخي الفاضل بأن ليس كل مل نفكر به يجب أن يقال...فلكل موضع مقال....وكما يقال في

    الأمثال:لسانك حصانك ان صنته صانك

    جميل جدا أن نستمع كثيرا ونتكلم قليلا حتى ندرك ونعي ما يجب أن نقول:)

    دمت بود

    ReplyDelete
  10. مجرد أمنيات

    استشهاد جميل ... أشكر لك تواجدك

    ReplyDelete