Saturday, August 21, 2010

البصمة الوراثية


ما من كتاب أُلِّف ، أو مُجلد صُنِّف ، أو كلام رُصِّف ، أو مقالة خُطَّتْ ، أو فكرة بُثَّت ، إلا و هي تعبر عن صاحبها ، و تحكي ماضِيَهُ و حاضِرَهُ ، و تُصوِّر نشأته و منبته ، و ترسم شخصه و ملامحه ، فعجبا عجبت لمن يقول ، انقد الفكر و لا تنقد الشخص ، فأنت بالفكرة غني لا بصاحبها مَعْنِيُّ ، بالله عليكم ما هذا الهراء ؟ هل أقول هي كلمة حق أريد بها باطل ؟ أم أنها ضلالة قائل ، و جهالة جاهل ؟ فلا كتاب مهما عظم أو حَقُرْ ، و لا مقال مهما صَغُرَ أو كَبُرْ ، إلا و عليه بصمة وراثية ، تشير إلى كاتبه ، وتدلل على صاحبه ، فتنشر أخباره ، و تذيع أسراره ، و تسبر أغواره ، كاشفةً القناعَ عن خبايا نفسه ، هاتكةً الستارَ إلى خفايا عهده ، لتستبين للفَطِنِ حقيقته ، و تتجلى للكَيِّسِ سريرتُهُ 

و خذوا عني رحمكم الله هذا المثال الصادق الناطق ، فلو قلنا : أن امرأة تكتب عن الرجل بأسلوب شنيع فظيع ، تترفع عنه و تُنفر منه ، و تصوره على أنه ذلك الشيطان الرجيم ، من جانبه سَلِمْ ، و من فارقه غَنِمْ ، فإذا أخذ المجتمع بكلام هذه المرأة على أنه فكرٌ مجردٌ ، و الفكرُ لا يقابل إلا بالفكر كما يقولون ، و ضُيعّت الأوقات في نقاشها ، واستُهّلت المناسبات في حوارها بغية العدول عن رأيها و الرجوع في قولها ، ثم اتضح فيما بعد أن كل ما تتفوه به إنما هو نتيجة تجربة فاشلة تعرضت لها ، و محنة قاسية مرت بها ، كان سببها الاختيار الخاطئ ، و الاندفاع الطائش ، فما هو ذنب المجتمع أن يتحمل مجموعة عقد نفسية ، و رواسب اجتماعية لا ناقة له بها و لاجمل ؟؟

أعتقد أن أي إنسان كائنا من كان قبل المُضي في جداله ، أو الأخذ منه أو الرد ، يجب أن يُمرر على جهاز الأشعة السينية ، لضمان خلوه من الأمراض النفسية ، و الآفات الاجتماعية ، و التأكد من سلامة عقله ، و أنه ما تعرض في حياته لقمع أو اضطهاد ، بل نشأ نشأة سليمة مستقيمة ، فيكون كل ما يقوله إنما نابع من اعتقاد راسخ ، و تجربة صادقة ، مجردة من كل التأثيرات و الانفعالات ، و خير مثال على ذلك الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام ، فإن الله عز وجل قبل أن يُحمِّله الرسالة أعده إعدادا محكما متقنا استغرق أربعين عاما ، استوفى فيها محمود الخصال ، و كمال الأخلاق ، و تمام المروءة و الرجولة ، ثم قدمه للناس على أنه نبي الأمة ، بعدما عرفوه بالصادق الأمين ، فكان صدقه و أمانته سابقا على فكره و دعوته ، فلم يجعل الله لطاعن فيه علة ، و لا لآخذ عليه مأخذ

أرى أن كل إنسان في فكره رسول ، فكان واجبا على كل مجتمع أن يُحَكِّمَ عقله حتى يَميزَ النبي من المتنبي ... و رحم الله من قال: أن خطأ الطبيب يُدفن في الأرض ، و خطأ المهندس يقع على الأرض ، في حين أن خطأ المفكر يمشي على الأرض



Sunday, August 8, 2010

عملة نادرة

أكثر ما يعشق الرجل في المرأة جمالها، وأشد ما يروقه غُنجها و دلالها ، فتراه يهيم في محاسن وجهها و تضيع كلماته في وصف حُسن قدها و خرطها، وهو غير ملوم في ذلك إذ أن في وجه المرأة الجميل ضروب من الحسن الغريب والتركيب العجيب



ولكن التجربة أثبتت أن في المرأة جانبا هو أكثر سحرا و أشد جاذبية، ألا و هو العقل، فمن المعروف أن العقل عملة نادرة عند النساء، ومما يميز عقل المرأة عن عقل الرجل أنه إن وُجِد فتراه قد مُزج بشيئ من المكر و شيب بقليل من الكيد، فتغدو حادة الذكاء متوقدة الذهن، وإذا كانت المرأة كذلك صارت أهلا للمشورة،

ولا أكاد أجد في المرأة لذة كتلك التي تأتي بمشاورتها والأخذ برأيها، و أول ما تكون بوادر العقل في اللسان، فتراك تنتشي بطيب حديثها مع عذوبة ألفاظها و غزارة معانيها، ومن النساء من يُستملح سبابها و يُستلطف ردها إذا ما كدتها أو تواغدت عليها



ومما يروى أن بعد وفاة جميل دخلت بثينة على الخليفة عبد الملك بن مروان فقال لها: والله لا نجد فيك ما كان يقوله جميل، فردت عليه: لقد كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك



أتخيل كيف يمكن أن يكون رد امرأة من هذا العصر إذا ما طُعنت في جمالها مع طول لسانها و قِصَرِ فهمها؟

Wednesday, August 4, 2010

الغــايـــة

اللهم إني عبدك ، إبن عبدك ، إبن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به  نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيعَ قلبي

كيف ... و قد خفي علي بديع نظمه ، و حلاوة لفظه؟

و نورَ صدري ... كيف و قد حُجِبَ عني نورُ إعجازه ، و براعةُ قصه و إخباره ؟

و جلاءَ حزني ... كيف و قد قصر عنه فهمي ، و ضل فيه رشدي ؟

و ذهابَ همي ... كيف و قد تشابهت عندي صنوف الكلام ، فصرت كمن استوى عنده النور و الظلام ؟

نعم أنا جاهل بلغتي التي شرفها الله بهذا القرآن العظيم ، حكمي بها حكم الأعجمي ، أقول بالإعجاز و لا أعيه ، و أقر بالإبداع و لا أستحليه

إلا أنني عازم على أن أجد طريقي ، و أبلغ غايتي ، مع العلمِ أن رحلتيَ طويلة ، و سَفْري بعيد ، و زادي لن يبلغني ، إلا إذا استزدت علما و أدبا ، فهذا زاد لا بد لي منه ، و لا سبيل لي عنه ، كي أفوز بكتاب الله ، علي أن أطلق لنفسي عنانها لتجول في رياض الأدب  و تنهل من موارد البيان ، و تَقِفَ على طُرُقِ العَرَبِ و مذاهبها في تصريف وجوه الكلام ، فمن قصد البحر استقل السواقيا

و هذا هو دأبي و ديدني إلى أن يتجلى ليَ إعجازهُ ، فأنفذُ إلى مخزونهِ ، و أخلصُ إلى سرهِ و مكنونهِ ، فيَبينَ فَضلهُ ، و يَنبَلجَ نورهُ ،  فأراهُ كالياقوتَةِ في واسِطةِ العِقد