Friday, February 11, 2011

حقيقة الإصلاح

حتى هذه المرحلة العمرية ما زال ذهني قاصرا عن استيعاب مفهوم الحرية ، فكم أحلم بالقعود إلى شخص يفسرُ لي هذا الذي يقولون : حرية تعبير و حق مشاركة و تعددية سياسية و حزبية ، كم أنا تواق إلى شخص يتلطف بعقلي البسيط و يأخذ بي الهوينا في مسالك و دهاليز الشعارات الأممية و المطالبات الشعبية ، لأنني و بصراحة عندما أقف أمام هذه الشعارات أقف أمامها وِقفة الضائع الحائر ، لا أعي ماذا تعني و لا أفهم إلاما ترمي 

ولئن سهل الله العزيز بلطفه و صادفتك أيها الشخص الكريم وجلسنا أنا و أنت ، و شَرَعْتَ حضرتكُ و هَمَمْتْ ، في الشرح و السرد ، و الأخذ و الرد ، فأرجوك رجاء الظمآن و أدعوك دعاء اللهفان أن يكون شرحك خاليا من الكلام ... إذا أردت مخاطبتي فاستغنِ بالإشارة عن العبارة ، واكتفِ بالإماءة عن المقالة ، حتى و إن دخلنا في حوار خرسان فإنه عندي أجدى و أنجى من كلام استغلقت عبارتُهُ ، و استعجمَت كلمتُهُ 

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ... إن كنت سأسمح لك بهذا القدر من الكلام ،فلمجرد أن يأخذني الخاطر في البحث عن من هو الشعب ؟ من هو الشعب الذي يستحق الحياة ؟ هل هو الشعب الذي انتهز فرصة غياب الأمن ليعيث في الأرض فسادا ؟ أم هو الشعب الذي وجد الفرصة مواتية كي يستقل طائرة من دولة أجنبية و يحط في بلد ثار به الجوعان و العريان فيتسلق على أكتافه عرش الرؤساء والحكام ؟

لا ينكر من كان لديه مسكة من عقل حجم الظلم الذي تعيشه بعض الشعوب العربية و المرارة التي تتجرعها و الألم الذي يتكبدها ، نعم قد يكون النظام الحالي يسرق من جيبي و يشاركني قوتي و قوت عيالي ، إلا أنني ما زلت قادرا على التعايش معه ، أملا في الإصلاح و طمعا في التغيير، و إن لم يكن هذا و ذاك فهو ما تعودناه و ألفناه حتى يقضيَ الله أمرا كان مفعولا ، أما النظام الذي لم و لن أرضى أن يحكمني ساعة من نهار هو ذلك النظام الذي يأتي ليسرق من عقلي لا من جيبي ، أنا أقبل أن أعيش في مغارة علي بابا بين اللصوص و سراق المال العام ، و لكن لا أقبل أن أعيش أبدا في كنف مجموعة ترى فيما يميزها عن الأتراب و النظراء وسيلة لقود العامة و الدهماء ، فلأن  يُقاد الإنسان بالآلة العسكرية رغم أنفه لهو أرحم آلاف المرات من أن يقاد بالخديعة الفكرية دون علمه

العلم هو ما ثبت بالتجربة العملية ، و العلم الذي جاءني بالنزول إلى الشارع العربي أنه و باختصار شديد ثقافة الرأي و الرأي الآخر لا وجود لها في هذا الجزء من العالم ، سواء كان هذا على مستوى الحداد و النجار و نافخ الكير ، أو حتى على مستوى الأستاذ و الدكتور و العالم الكبير ، و إن كان هناك من يدعي فاسمحوا لي أن أقول لكم أن أساليبكم علي لا تنطلي .. أقل ما يمكن أن يقال في حق الحكام الحاليين أنهم عاشوا ردحا من الزمن في بروجهم العاجية بعيدا عن الطبقة العامية ، فعرض لهم شيئ من الطهور و النقاء ، بعدما نأوا بأنفسهم عن الشارع العام الذي تمارس فيه أبشع و أشنع درجات الاستبداد و تكميم الأفواه بين أفراد الشعب نفسه ، فكيف لي أن أستل من وسط هذه الشعوب فردا موبوءا أوليه أمري كي يعودَ بي القهقرى ، و كيف لي أن أنفق عليه من سِنِيِّ عمري إلى أن يبرأ من خبثه و يتعافى من درنه ، ومن كان ينكر هذا الكلام أو يعيبه عبثا فلا يسعني أن أقول له إلا أن يركب مركبته الفضائية و يرجع إلى الكوكب الذي أتى منه. في حين أترك المجال أمام الفيلسوف العظيم أبي العلاء المعري ليقول كلمة الفصل في هذا المقام الذي عرى به النفس البشرية و كشف حقيقتها و هتك حجابها و أزال قناعها ، بعدما فقد بصره فاستضاءت بصيرته

ومالـي لا أكون وصــيً نــفسي ... ولا تعصي أموري الأوصياء

وقـد فــتشـت عـن أصـحـاب دين ... لهم نسك وليـس لهم ريـــاء

فألـفــيــت البــهــائــم لا عقــول ... تــقيــم لها الدليل ولا ضيـاء

وإخوان الفــطــانــة في اختيال ... كــأنــهــم لقـــوم أنـــبــيــاء

فــأمــا هــؤلاء فــأهــل مـكــر ... وأمــا الأولــون فأغــبــيـــاء