غالبا ما تُستخدم هذه العبارة عندما يشرع شخص ما بذكر سلبياته ، وحصر زلاته ، فيقدمها على أنها أحد السلبيات أو العيوب ، في حين أنني أعلم تمام العلم ، و أعرف حق المعرفة أنه في قرارة نفسه يراها إيجابية ، بل و يجدها علامة على القوة و الجرأة ، و لو كان يعتقد حقا خلاف ذلك لما اعترف بها بهذه البساطة ، و لتبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف ، لأنه لا يوجد إنسان طبيعي على وجه البسيطة يقول عن نفسه أنه غبي أو جبان أو ضعيف هكذا بمناسبة و غير مناسبة ، لأنها أوصاف مقززة و نعوت منفرة ، حتى و لو كانت بالفعل سمة بارزة في شخصيته ، فالإنسان بطبيعته يحب التحلي باسم الفضيلة و إن خالف ذلك بلسان حاله أو مقاله
ولكن الحال مع أصحاب "يلي بقلبي على لساني" مختلف بعض الشيئ ، إذ أن عامة الناس لا يدركون مدى بشاعة هذه الخَصْلَة ، و يتوهمون أنها تُظهرهم بمظهر القوي الجريئ ، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماما ، فما هي إلا دلالة دامغة على البساطة و السذاجة ، و الاعتراف بها بفم ممتلئ ما هو إلا مؤشر واضح على أقصى و أحط دركات الغباء الاجتماعي
و المصيبة الأكبر أن حملة هذا الشعار إنما يَتَحَرونَ في ذلك المصداقية و الأمانة في التعبير عن الرأي ، مع جهلهم أن الرأي لا يكون رأيا إلا إذا طُلب ، تماما كما جاء في الحديث الصحيح: أن المستشار مؤتمن ، و أضف إلى ذلك أن الرأي في ذاته ينقسم إلى مهم و غير مهم ، فمن الآراء ما يحتمل المجاملة ، و منها ما لا يحتمل ، فمن كان لديه مسكة من عقل عرف أين يفصل برأيه و أين يحتفظ به لنفسه ، و لو تأملت حال هؤلاء الذين يتبجحون بسرعة إنفاذ الرأي لرأيت أن جُل آرائهم لا تنصب إلا حول سفاسف الأمور و توافه الأحداث ، فيما لا يجلب منفعة و لا يدفع مضرة
و مما يُستأنس ذكره في هذا المقام أن رجلا قال لمعاوية: ما رأيت أنذل منك ، فرد معاوية: النذل من واجه الرجال بهذا... في الحقيقة رأي لا يصدر إلا من حقير ، و جواب لا يأتي إلا من أمير ، و تأمل أخي الكريم جواب معاوية رضي الله عنه حيث أنه لم يدفع هذا الاتهام أو ينفيه ، و إنما لقن ذلك الرجل درسا في مفهوم النذالة ، فعرفه أن النذالة الحقيقية إنما تكون بمواجهة الرجال بهذه الصورة التي تفتقر إلى أدنى أدبيات و أبجديات الخطاب الإنساني و الاجتماعي ، و لاحظ أيضا أنه قال: الرجال و لو يقل الأمراء ، لأنه من جهل أقدار الناس و مقاماتها فهو بحقيقة نفسه أجهل
و مما يروى أيضا أن أحد الوعاظ أتى الوليد بن عبد الملك فقال له: يا أمير المؤمنين سأعظك عظة فيها غلظة فاحتملها ، فقال الوليد: كلا .. إن الله أمر من هو خير منك بإلانة القول لمن هو شر مني ، قال لموسى إذ أمره بالذهاب إلى فرعون: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
و لو تأملت معي أخي القارئ أحوال هؤلاء السُذج لو جدت كَمَّ الخير الكثير و الحظ الوفير الذي فوتوه على أنفسهم بسب أنهم وضعوا ألسنتهم في كل مكان و زمان ، فما غنموا في الدنيا و لا سلموا في الآخرة ، فمسألة أن تجعل لسانك مِغرافا لقلبك فما ذلك إلا البله بعينه ، والحمق بذاته، و في ذلك يقول أبو العتاهية
و إذا حللت عن اللسان عقاله .... ألقاك في قيل عليك و قال
و هل سمي العقل عقلا إلا لأنه يعقل على اللسان ؟ فما فائدة العقل إذا كان لللسان مطلق الحرية في تصوير عُجَرَ القلب و بُجَرَهُ ؟
و لا يسعني إلا أن أختم بقول زهير
و من لم يصانع في أمور كثيرة .... يُضرس بأنياب و يوطؤ بمنسم
موضوع جميل :)
ReplyDeleteالواحد لازم ياخذ ثانيتين يفكر بينه وبين نفسه بالكلمة قبل ما يقولها
وايد يتسرعون بالكلام وبعدين يتحسفون عليه
والكلمة إذا طلعت خلاص ما ترجع
وكما قال الإمام علي عليه السلام :"لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه "
ReplyDeleteشكرا لك =)
تدري شاللي يحر
ReplyDeleteليه قل الكلمة و تالي قالوا لاااااا هذا قلبة طيب
شسوي بقلبة الطيب إذا كلامة قنابل
السؤال؟
لي صار هذا من حريم كبار شتسوي!
Ra-1
ReplyDeleteمع الأسف الذين قصدتهم في موضوعي هم الذين لا يندمون ، و إنما يعتقدون أنه الصواب ، فمصيبتهم
أعظم من أولائك الذين يتسرعون و يزلون
شكرا لزيارتك :)
LavenDer
ReplyDeleteأشكر لك هذا الإثراء الجميل
Яeema
ReplyDeleteالرد ممكن أن يكون مهذبا و قاسيا في نفس الوقت ، و أحيانا الصمت أبلغ من الكلام
في النهاية يعتمد على الزمان و المكان و الشخص و المزاج العام
أبليت بلاء حسنا:)
ReplyDeleteو غالبا ما يسمون هذا الشخص **أنه على نيته
و هذا ما يؤخذعلى من يمتدحون الشخص..
كم من المرات أحرج بسسب مقابلتي أصناف **ع النية
أحتاج أحيانا للتأقلم مع هذه الطبيعة , حتى لا أحرج في كـل مرة..
أحاول أن أظهر أن ما قيل قد يجرح الآخرين و لـكن لا حيات لمن تنادي
أعتقد أن معالجة تلم الشخصية يكون أيضا بمصارحتها..
موضوع جميل ..دمتم بخير و بحفظ الله..
و كـل عام و أنتم بخير..
أتفق معك المصارحة و الخطاب المباشر في مثل هذه الحالات قد يكون الأسلوب الأتفع و الأنجع
ReplyDeleteسررت بزيارتك
أوافقك الرأي أخي الفاضل بأن ليس كل مل نفكر به يجب أن يقال...فلكل موضع مقال....وكما يقال في
ReplyDeleteالأمثال:لسانك حصانك ان صنته صانك
جميل جدا أن نستمع كثيرا ونتكلم قليلا حتى ندرك ونعي ما يجب أن نقول:)
دمت بود
مجرد أمنيات
ReplyDeleteاستشهاد جميل ... أشكر لك تواجدك