Friday, March 18, 2011

ثورة فكر أم أزمة فقر

في القول المأثور كيفما تكونوا يول عليكم تحديد واضح و مسار لائح لاتجاه المبادرة الإصلاحية ، و أنها لا يمكن أن تنطلق إلا من الشعب باتجاه الحاكم ، و من حاول أن يعكس المسار فلقد غر نفسه و ضيع جهده ، لا يمكن لأي حاكم في العالم أن يرقى بأخلاق شعبه .. و إنما الشعب الخلوق يفرز حاكما من جنسه ، و لا يمكن لقائد كائنا من كان أن يخلق شيئا من العدم ، فإذا كان النبي نفسه عليه أتم الصلاة و السلام يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، مما يدل على أن الأخلاق في أصلها و جوهرها موجود و إنما الغرض جاء كي يخرجَ بها إلى غايتها في الكمال و منتهاها في الجمال ، و ما شوقي عن هذا المعنى بمنأى عندما عمد أيضا إلى أسلوب الحصر في نظم بيت الشعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، ليؤكد بما لا يقبل الرد أو الطعن ما أكده الرسول الكريم من قبل

من يَعشِ الحاضر و يقرأ الغابر يعلم تمام العلم و يعرف حق المعرفة حجم الأزمة الأخلاقية التي تحياها المجتمعات العربية ، وإن كانت الفجوة العلمية أو التكنولوجية أو العسكرية بيننا و بين الغرب قد اتسعت بما لا يدع مجالا للقفز فوقها ، فإن الفجوة الأخلاقية أشد عمقا و أكثر اتساعا ، و لايمكن لأي نظام أو حاكم أن يرأب الصدع الأخلاقي الذي تعانيه هذه الشعوب ، و في حال سلمنا جدلا بقول من يقول أن الحاكم مسؤول مسؤولية كاملة و مباشرة عن أخلاق شعبه ، فإننا في هذه الحالة نبحث عن مُربٍّ و لا نبحث عن حاكم ، و من الإجحاف و قلة الإنصاف أن يُطلب من المربي تربية شعب بأسره في فترة زمنية محددة ، في حين لايخفى على أحد حجم وكم الجهد والوقت اللذان تتطلبهما العملية التربوية حتى تُؤتيَ أكُلها و تُقطفَ ثمارها ، و حينئذ يكون جثوم الحاكم على صدر شعبه أعمارا عديدة و سنينَ مديدة ما هو إلا طلب ضمني من الشعب نفسه ، لذلك وجب علينا أن نضع هذا الهراء جانبا و نلتفت لأنفسنا و نبحث في ذواتنا ، يقول سبحانه و تعالى في كتابه العزيز مُخبرا عن فرعون: "فاستخف قومه فأطاعوه" ، الأمر الذي يؤكد أن المسؤوليه الحقيقية يتحملها الشعب لا الحاكم ، و كثيرا ماساوى الخطاب القرآني بين المُستَضْعِفْ و المُسْتَضعَفْ ، و في ذلك يقول عز من قائل: " قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ" نخلص إلى أن حجة الاستضعاف حجة مردودة لا تَنهض و لا يُنْهَض لها بنص القرآن الكريم

يقول الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام: "كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته" ... الرعاية في اللغة تعني الحفاظ ، و الراعي هو الحافظ ، فقبل أن نطلب الراعي علينا أن نوفر له ما يرعاه ، و ما يستحق أن يُعْكَف على تطويره و إنمائه ، و لكن أن تتم البيعة على شيئ غير موجود أساسا فما هذا إلا في سوق المجانين

تغيير حاكم هنا أو هناك لا يعني الكثير ، بقدر ما يعني الإدراك أين نسير ، التغيير الحقيقي يبدأ من الفرد نفسه بعيدا عن شماعة الحاكم و غيره ، قد آن الأوان كي ننظر للحاكم على أنه نتيجة و ليس سببا ، و آن الأوان أيضا كي نتعامل مع الحاكم على أنه موظف عند الشعب ليس إلا ، و لكن أي شعب ؟ هل هو شعب عمر بن الخطاب الذي قال لو رأينا منك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا؟ أم أنه شعب مهيأ مسبقا و معد سلفا و مكيف تمام التكيف و جاهز أتم الجهوزية بما تمليه عليه ثقافته و أخلاقياته للتعامل و التعاطي مع أي نظام فاسد؟ لتبق القضية في النهاية قضية حظوة ، فالمستفيد من النظام يغنم و ينعم ، في حين غير المستفيد يشتم و يلعن

ملاحظة: هذا المقال تم نشره في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 2011-03-16

4 comments:

  1. "كيفما تكونوا يول عليكم"
    مقولة لخصت الحال ووضعت حلاً لكل ما نشكو منه
    و "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
    إن انصلحت المجتمعات أخرجت منها حاكمًا صالحًا .. فكرة سليمة جدًا

    "حجة الاستضعاف حجة مردودة لا تَنهض و لا يُنْهَض لها بنص القرآن الكريم"
    بالضبط .. والشماعات عندنا كثيرة وبحاجة لإزالة وتطهير النفوس منها

    بحاجة لمثل هذه المقالات
    يعطيك العافية

    ReplyDelete
  2. تحية طيبة
    مدونة جميلة سعدت كثيرا بزيارتها...

    ReplyDelete
  3. رديت والحين اختفيت! :)

    ReplyDelete