في القول المأثور كيفما تكونوا يول عليكم تحديد واضح و مسار لائح لاتجاه المبادرة الإصلاحية ، و أنها لا يمكن أن تنطلق إلا من الشعب باتجاه الحاكم ، و من حاول أن يعكس المسار فلقد غر نفسه و ضيع جهده ، لا يمكن لأي حاكم في العالم أن يرقى بأخلاق شعبه .. و إنما الشعب الخلوق يفرز حاكما من جنسه ، و لا يمكن لقائد كائنا من كان أن يخلق شيئا من العدم ، فإذا كان النبي نفسه عليه أتم الصلاة و السلام يقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، مما يدل على أن الأخلاق في أصلها و جوهرها موجود و إنما الغرض جاء كي يخرجَ بها إلى غايتها في الكمال و منتهاها في الجمال ، و ما شوقي عن هذا المعنى بمنأى عندما عمد أيضا إلى أسلوب الحصر في نظم بيت الشعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، ليؤكد بما لا يقبل الرد أو الطعن ما أكده الرسول الكريم من قبل
من يَعشِ الحاضر و يقرأ الغابر يعلم تمام العلم و يعرف حق المعرفة حجم الأزمة الأخلاقية التي تحياها المجتمعات العربية ، وإن كانت الفجوة العلمية أو التكنولوجية أو العسكرية بيننا و بين الغرب قد اتسعت بما لا يدع مجالا للقفز فوقها ، فإن الفجوة الأخلاقية أشد عمقا و أكثر اتساعا ، و لايمكن لأي نظام أو حاكم أن يرأب الصدع الأخلاقي الذي تعانيه هذه الشعوب ، و في حال سلمنا جدلا بقول من يقول أن الحاكم مسؤول مسؤولية كاملة و مباشرة عن أخلاق شعبه ، فإننا في هذه الحالة نبحث عن مُربٍّ و لا نبحث عن حاكم ، و من الإجحاف و قلة الإنصاف أن يُطلب من المربي تربية شعب بأسره في فترة زمنية محددة ، في حين لايخفى على أحد حجم وكم الجهد والوقت اللذان تتطلبهما العملية التربوية حتى تُؤتيَ أكُلها و تُقطفَ ثمارها ، و حينئذ يكون جثوم الحاكم على صدر شعبه أعمارا عديدة و سنينَ مديدة ما هو إلا طلب ضمني من الشعب نفسه ، لذلك وجب علينا أن نضع هذا الهراء جانبا و نلتفت لأنفسنا و نبحث في ذواتنا ، يقول سبحانه و تعالى في كتابه العزيز مُخبرا عن فرعون: "فاستخف قومه فأطاعوه" ، الأمر الذي يؤكد أن المسؤوليه الحقيقية يتحملها الشعب لا الحاكم ، و كثيرا ماساوى الخطاب القرآني بين المُستَضْعِفْ و المُسْتَضعَفْ ، و في ذلك يقول عز من قائل: " قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ" نخلص إلى أن حجة الاستضعاف حجة مردودة لا تَنهض و لا يُنْهَض لها بنص القرآن الكريم
يقول الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام: "كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته" ... الرعاية في اللغة تعني الحفاظ ، و الراعي هو الحافظ ، فقبل أن نطلب الراعي علينا أن نوفر له ما يرعاه ، و ما يستحق أن يُعْكَف على تطويره و إنمائه ، و لكن أن تتم البيعة على شيئ غير موجود أساسا فما هذا إلا في سوق المجانين
تغيير حاكم هنا أو هناك لا يعني الكثير ، بقدر ما يعني الإدراك أين نسير ، التغيير الحقيقي يبدأ من الفرد نفسه بعيدا عن شماعة الحاكم و غيره ، قد آن الأوان كي ننظر للحاكم على أنه نتيجة و ليس سببا ، و آن الأوان أيضا كي نتعامل مع الحاكم على أنه موظف عند الشعب ليس إلا ، و لكن أي شعب ؟ هل هو شعب عمر بن الخطاب الذي قال لو رأينا منك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا؟ أم أنه شعب مهيأ مسبقا و معد سلفا و مكيف تمام التكيف و جاهز أتم الجهوزية بما تمليه عليه ثقافته و أخلاقياته للتعامل و التعاطي مع أي نظام فاسد؟ لتبق القضية في النهاية قضية حظوة ، فالمستفيد من النظام يغنم و ينعم ، في حين غير المستفيد يشتم و يلعن
ملاحظة: هذا المقال تم نشره في جريدة الوطن يوم الأربعاء الموافق 2011-03-16